يتعلَّق الإخلاصَ بحياة المسلم من عدة جوانب، فالإنسان مُطالبٌ بإخلاص العبادة لله سبحانه وتعالى وهو من أوجبِ الواجباتِ عليه، ويكون ذلك في كل أحوال العبد وأعماله، ولا يُقبل عمل المسلم إلا بالإخلاص، حيث ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه قال: (إنما الأعمالُ بالنياتِ، وإنما لكلِّ امرئٍ ما نوى، فمن كانت هجرتُه إلى دنيا يصيُبها، أو إلى امرأةٍ ينكحها، فهجرتُه إلى ما هاجر إليه)،[١] فمدار أعمال العبد راجعٌ لنيته من وراء ذلك العمل، ومدى إخلاصه لله فيه، فإن أدى المسلم عبادةً معينةً بقصد التَّقرُّب إلى الله دون التفكير فيما سواه كان قد أخلص العمل لله، وإن أداها بقصد التّّزلُّف للخلق بحسن العمل أو لإظهار أنه من أهل العبادات فيكون قد رآءى في عمله.[٢]
الإخلاص هو الأساسُ الذي بُنيت عليه دعوة الأنبياء والرُّسل لجميع من بُعثوا إليهم دون استثناء، حيث قال تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ)،[٣]، فما معنى الإخلاص، وما هي وسائله وطُرقه، وكيف يتحصّل الإخلاص في أعمال العباد؟ هذه المسائل وغيرها ستبحثها هذه المقالة بعد توفيق الله.
ينبغي على المسلم القيام بعدة أمور حتى يصل إلى تحقيق الإخلاصِ لله سبحانه وتعالى في أفعاله وأقواله، وذلك من خلال القيام بما يلي:[٦]
إخفاء الأعمال وعدم إظهارها فإذا أراد المسلم سلوك طريق المخلصين فإنَّ أول ما ينبغي عليه القيام به هو إخفاء ما يقوم به من الصالحات ما دام ذلك ممكناً؛ حيث إن المخلص الصادق لا يرغب أن يطَّلع أحدٌ من الناس على شيءٍ من عمله الصالح سواء كان ذلك العمل عظيماً أم صغيراً.[٦] الخوف من الشُّهرة حيث ينبغي على المسلم إن أراد أن يسلك طريق الإخلاص أن يفرَّ من مواطن الشهرة، فقد روي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (طُوبَى لعبدٍ آخذٍ بعنان فَرَسه في سبيل الله، أشعثَ رأسُه، مغبرةٍ قدماه، إن كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في السّاقة كان في الساقة، إنِ استأذن لم يُؤذَن له، وإن شفع لم يُشفع له).[٧][٦] اتهام النفس حيث إنَّ من أهمِّ وسائل وسُبُل تحقيق الإخلاص في نفس المسلم أن يتَّهم نفسه بالتقصير في حق الله مهما قام بأعمالٍ صالحة، حتى وإن أدى ما له وما عليه، قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ﴾،[٨] وقد جاءت هذه الآيات في معرض الحديث عن المؤمنين حقاً، ومن صفاتهم أنهم يصومون ويصلُّون ويتصدقون، ثم بعد ذلك يخافون ألا يُتقبَّل ما سبق لهم من العمل.[٦] الزهد في مدح الناس واستخلاصه من القلب قال ابن قيم الجوزية: (لا يجتمع الإخلاص في القلب ومحبة المدح والثناء والطمع فيما عند الناس؛ إلا كما يجتمع الماء والنار، والضب والحوت)، فينبغي على المسلم إن أراد تحقيق الإخلاص في عمله وقوله أن يُقبل على الطمع فيستخلصه من قلبه، ويُقبلْ على المدح والثناء فيزهدُ فيهما.[٦] قراءة سير الصالحين من عباد الله المخلصين كالأنبياء والصحابة والتابعين والعلماء والفقهاء، والاطلاع على أخبارهم وما كان منهم يشير إلى الإخلاص في العمل، ومصاحبة أهل الإخلاص ممن يُعاصر، يقول الحسن البصري: (إنْ كان الرجلُ لقد جمَعَ القرآن وما يَشعر به جارُه، وإن كان الرجل لقد فقه الفقه الكثير وما يشعر به الناس، وإن كان الرجل ليصلي الصلاة الطويلة في بيته وعنده الزَّوْرُ (أي: الزائرون) وما يشعرون به، ولقد أدركنا أقوامًا ما كان على ظهر الأرض من عملٍ يَقدرُون على أن يعملوه في سرٍّ فيكون علانية أبدًا، ولقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء وما يُسمع لهم صوتٌ، إن كان إلا همسًا بينهم وبين ربهم عز وجل).[٦] إدراك فضل الإخلاص وأهميته في الحال والمآل حيث إن الإخلاص يعتبر أحد شروط قبول الأعمال، ويقع الإخلاص من العمل كما هي الروح للجسد؛ فكما أن لا حياة للجسد إلا بالروح، فلا حياة في العمل ولا نفع فيه إلا بالإخلاص.[٦] الدعاء حيث إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يُعلِّم أصحابه الدعاء في سبيل الإخلاص في الأعمال حتى تُقبل منهم، ولا تُرد عليهم دون نفعٍ أو فائدة.[٦] المراجعالمقالات المتعلقة بكيف تحقق الإخلاص لله